7. مريم الكويتي
فيربوع أرض الواحات اليانعة في مدينة العين، تنهمك الشابة الإماراتية المتميزة مريم الكويتي في الإعداد لمشروع واعد من شأنه أن يحدث ثورة في مجال صناعة الطيران. وتعمل مريم المهندسة الصناعية لدى شركة "ستراتا للتصنيع" ضمن الرعيل الأول من الشبان والشابات الإماراتيين الذين يستطلعون إمكانيات تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الصناعة.
تعمل شركة ستراتا الرائدة في تصنيع مكونات هياكل الطائرات، إلى جانب شركة سيمنس العالمية وشركة الاتحاد للطيران، على إنتاج المجموعة الأولى من قطع هياكل الطائرات عبر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في المنطقة. ويهدف هذا المشروع الشيّق إلى تسخير التقنية في سبيل التوصل إلى مقاربات جديدة للتصنيع في الشرق الأوسط.
وترى مريم أنّ مشاركتها في هذا العمل الريادي الضخم هو البرهان على صوابية قرارها في خوض غمار الهندسة الميكانيكية، وهو المجال الواسع الذي ترى فيه الكثير من التنوّع والتشويق، لا بل وأنها تشجّع الشباب الإماراتي على استكشافه من خلال مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 التي ستكون بمثابة نافذة على مختلف أنواع المهارات والتقنيات التي تساعدهم على تحقيق أحلامهم ورسم دروب المستقبل الواعد.
ومريم الكويتي ابنة مدينة العين، هي أول من تخصص في الهندسة الميكانيكية في عائلتها، حيث نالت شهادة البكالوريوس فيها من جامعة الإمارات العربية المتحدة. وعن تجربتها تقول، "كانت أمراً جديداً كلياً بالنسبة إلي، ولكنني أحببت خوض التجربة العملية والعمل بكلتا يدي، فسائر حقول الهندسة لا تتطلب القدر عينه من العمل اليدوي."
وتتابع، "علماً أن الهندسة الميكانيكية تتفرع إلى فروع عدة، ففيها تقنية الروبوتات المتحرّكة، والهندسة الفضائية وغيرها، وبما أنني احترت في اختيار الفرع في البداية، لذا التحقت بعدد من الشركات التخصصية في الخارج بصفة متدرّبة حيث استكشفت كلاً من تلك التخصصات عن كثب."
وكانت تجربتي الأولى في جامعة أكسفورد، وتبعتها تجربة تدريبية لدى جلوبال فاوندريز المتخصصة في مجال ابتكار أشباه الموصلات. أما فترة التدريب العملي الثالثة مع شركة إيرباص، إحدى كبرى شركات تصنيع الطائرات، والتي مقرّها تولوز في فرنسا، وكانت التجربة الأهمّ والأبرز التي ساعدتني على حسم قراري.
وتروي، "ذهلني كل ما رأيت هناك وأيقنت أن هذا المجال هو الذي أريده ليكون محور تركيزي، وهو مجال ضخم لا يخلو من الصعوبة، وتعتزم الدولة أيضاً التوسع فيه مستقبلاً. اتّضحت الصورة أمامي في لحظة، وعرفت بأنني أريد أن أكون عنصراً فاعلاً في تنمية هذا القطاع في دولة الإمارات."
خطت مريم خطوتها بثقة وثبات لتلتحق بشركة "ستراتا" المملوكة بالكامل من قبل شركة مبادلة للاستثمار. يقع مقرّ الشركة في مجمّع نبراس العين للطيران، وهي تعمل بالشراكة مع بعض من أهم شركات تصنيع الطائرات نذكر منها إيرباص وبوينغ. وتركّز بشكل خاص على تصنيع هياكل الطائرات ما جعلها الملعب الأنسب والأوسع لطموح مريم التي تقول،
"هذا فضلاً عن أن الشركة لا تزال صغيرة نسبياً، ما يتيح لي مجالاً لاكتساب الخبرة بسرعة. وقد تقدمت بطلب للعمل فيها قبيل تخرّجي في سنة 2014، والتحقت بوظيفتي بعد إجازتي الصيفية وهكذا بدأ مشواري العملي من خلال تعلّم الإجراءات الحديثة خلال واحد من أكثر أسابيع السنة انهماكاً في الشركة، وتعرّفت إلى ذوي الخبرات الذين مهدوا لي طريق النجاح. تمّ تعييني على الفور للعمل ضمن الفريق المعني بالمشاريع الأساسية في الشركة، وهذا ما زاد من شغفي بالعمل".
ثلاث سنوات انقضت منذ بدأت مريم عملها في الشركة، وها هي تعمل اليوم في "القاعة المعقمة" في مصنع ستراتا الضخم القريب من مطار العين الدولي، في منصب مشرفة على خطوط التصنيع ضمن فريق المواد والمعالجة. يتمحور عمل هذا الفريق على تحويل المواد الخام إلى قطع وأجزاء تدخل في صناعة الطائرات، وتشكل خبرة الفريق الركيزة الأساسية لضمان الجودة وتوفير الدعم التقني.
وتشرح مريم، "يمرّ كل عنصر من عناصر الطائرة عبر مراحل محددة، ويتعين علينا أن نجد الحلول لأي مشاكل قد تصادفنا بالاعتماد على خبرتنا الفنية والتقنية. وفي كل يوم يحمل لنا خط الإنتاج معه تحديات جديدة، وهذا أكثر ما يجذبني إلى مجال عملي."
تمكنت شركة ستراتا الإماراتية من إنتاج قطع للهياكل الداخلية لطائرات شركة الاتحاد للطيران باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ، علماً أن هذا المشروع لا يزال في مرحلته التجريبية. يجري العمل حالياً على توسيع نطاق المشروع إلى "خارطة طريق مشتركة" تمتد على ثلاث سنوات بالشراكة بين "سيمنس" وستراتا، مما يمهّد الطريق وصولاً إلى إنتاج القطع ومكونات الطائرات المطبوعة عبر التقنية ثلاثية الأبعاد على نطاق صناعي، عند الطلب، تلبية لاحتياجات العملاء في جميع أنحاء المنطقة. ويُذكر أن هذا المشروع الضخم من شأنه أن يتيح العديد من فرص التدرب أمام المواطنين الإماراتيين.
يتمحور عمل مريم على تصنيع القطع والأجزاء ثلاثية الأبعاد. وهي عملية دقيقة تتطلب مستوى عالياً من التأني وتستغرق ما بين ساعات وأيام، وتتميّز بانخفاض كلفتها مقارنة بالقطع والمكونات المنتجة عن طريق الآلات. تعتمد العملية على إنتاج قطع ثلاثية الأبعاد طبقة تلو الأخرى، وهي تتيح للمهندسين هامشاً كبيراً من الحرية في تصميم وإنتاج المكوّنات خفيفة الوزن، وتجميعها في قطعة واحدة، ومن ثمّ تحسين أدائها إلى أعلى درجة.
وهنا تقول مريم، "نسعى من خلال هذا المشروع على إبراز الإمكانيات الموجودة في الدولة وتسليط الضوء على قدرتنا على إتمام هذه الأعمال في مدة زمنية قصيرة." شاركت مريم في القمة العالمية للصناعة والتصنيع التي أقيمت في أبوظبي خلال هذا العام حيث عرضت أمام بعض من كبار المسؤوليين الحكوميين موجزاً عن أعمال شركة ستراتا وخططها المستقبلية. وعبرت عن ذلك؛ "قدّمت عرضاً عن حاجب الشاشة المطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد، وهو أول الأجراء التي تمّ اعتمادها وتركيبها في هياكل الطائرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكانت تلك محطة مهمة في مسيرتي المهنية".
وسبق لمريم أن نشرت بحثاً أكاديمياً حول المواد المركبة ضمن دراستها لتحصيل شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية في جامعة الإمارات العربية المتحدة. وهي سعيدة بالعدد المتزايد من الفتيات الإماراتيات اللواتي يخترن خوض غمار هذا الحقل الواسع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العنصر النسائي يشكّل 86 بالمئة من القوة العاملة في ستراتا، وترى مريم أن المرأة بدأت تترك بصمة واضحة في المجال.
وأعربت عن أملها في التحاق المزيد من الإماراتيات من ذوات الموهبة بالبرامج التدريبية في مجال صناعة الطيران، وفي شركة ستراتا، "وجدت نفسي في بداية مسيرتي العملية محاطة بالعديد من الزملاء الشبان الوافدين من أكثر من دولة".
"أشجع الشابات الإماراتيات على التقدم للوظائف في هذا المجال، فها هو العالم اليوم يتّجه نحو ثورة صناعية رابعة سوف نشهد فيها العديد من الاختراعات والإنجازات الكبرى على مستوى التصنيع من خلال "المصانع الذكية" حيث يعمل البشر والآلات معاً بكل سلاسة وانسيابية.
ودولة الإمارات تسعى لأن تحتل مركزاً طليعياً في هذه الثورة الصناعية المقبلة، وبالتالي، سوف تكون هناك حاجة متزايدة إلى المهندسين وأصحاب المهارات المهنية الضرورية لتحقق طموح الدولة".
تنكبّ مريم خلال هذه السنة على إنهاء دراسة شهادة الماجستير، وهي عاقدة العزم على تحصيل شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية. وتستعد أيضاً للالتحاق بشركة بوينغ كمتدربة في مجال التصنيع الدولي. أما في الوقت الحالي، فتسعى جاهدة على تطوير خبرتها ومواصلة اكتساب المعرفة وتحدي الذات.
لا يخفى على مريم الكويتي أهمية اختيار المسار المهني المناسب، إلى جانب ضرورة وجود قوة عاملة ماهرة لرفد مشروع التنويع الاقتصادي في الدولة، وكلها أمل بأن مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 ستساهم في تسليط الضوء على مختلف المهارات المتوفرة وتتيح آفاقاً جديدة لطموح الشباب.
وتقول في هذا السياق، "لا شك في أن الدراسة الجامعية تركّز على الجوانب النظرية أكثر منها التطبيقية، ما قد يؤدي إلى فجوة على مستوى المهارات التطبيقية، فالتدريب التطبيقي هو الذي يسهّل على المرء عملية التكيّف مع بيئة العمل، والخبرة العملية الفعلية تمنح العامل المبتدئ دفعاً مهماً وهذا ما نشهده كل يوم في المتدربين لدى شركة ستراتا.
إن أهمية مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 تكمن في قدرتها على تلبية الاحتياجات المطلوبة حالياً على مستوى المهارات. وتساهم المسابقة في تسليط الضوء على المهارات التي تطلبها جهات التوظيف، وبالتالي فإن كل من سيحضر المسابقة ستتسنى له فرصة لتجربة مهارات جديدة، ولقاء بعض من أهم الخبراء كلّ في مجاله. إنها فرصة مميزة، وآمل ألا يتوانى شبابنا الإماراتي عن انتهازها".