3. كاميليا بن زعل
"جمال الإسلام" هو الاسم الذي اختارته المبدعة الإماراتية كاميليا بن زعل للحديقة التي أطلّت من خلالها على العالمية فأبدعت وتفوّقت في إطار معرض تشيلسي للزهور في لندن، الاسم العريق والحدث الأبرز في عالم تنسيق الحدائق في الساحة العالمية. وأي تسمية أفضل من تلك لوصف تصميمها الخلّاق الذي أهدته لروح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الأب المؤسس لدولة الإمارات الذي عُرف بحبّه للطبيعة وبالعلاقة الوثيقة التي ربطته بالأرض، وقد حرصت بن زعل على تطعيم تصميمها الجميل بالشتول والنباتات المنتقاة من طبيعة الإمارات، زاوجتها بخطوط وألوان مستوحاة من ثقافة الدولة وتراثها، فاستحقّت عن جدارة فوزها بالميدالية الفضية المذهّبة عن فئة التصميم، كما وتبوأت المركز الأول عن فئة وضخامته.
وبهذا أصبحت كاميليا بن زعل أوّل مبدعة إماراتية تحظى بفرصة لتصميم حديقة لفعالية عالمية تستقطب آلاف الزائرين من كل حدب وصوب.
وتحدّثنا كاميليا عن السبب الذي حدا بها للمشاركة قائلة: "طبعاً، معرض تشيلسي للزهور يعتبر الفعالية الأبرز والأهم في مجال تصميم وتنسيق الحدائق، وإنما ما دفعني أيضاً للمشاركة كان استيائي الشديد من النظرة السلبية المنتشرة في الغرب عن الإسلام." وتتابع، "أرى أن الحدائق تتعالى على تلك التجاذبات، لذا اعتمدتُ لغة الزهور في مخاطبة الجمهور الدولي فهي خير لغة تسلّط الضوء على ديننا الحنيف وعلى ثقافتنا العربية عموماً."
ولأنامل كاميليا الخلاقة أثر بديع في أكثر من دار وحديقة في أرجاء الدولة، أضفت عليها لمساتها المتقنة في لوحات نباتية غنّاء تقرن ما بين الخيال والواقعية، وتنبض بأصالة البيئة المحيطة وجمال الرؤيا - وهذه البراعة في التصميم هي التي ساهمت في تحقيق النجاح لشركة "سيكند نيتشر" للتصميم والتنسيق لصاحبتها بن زعل.
سَلها عن حلمها تقُل لك إنها الحديقة الإسلامية المعاصرة التي ترغب في إنشائها لتنضمّ إلى مجموعة المواقع الفريدة والمميزة التي تجذب الزائرين والسياح من أرجاء العالم إلى دولة الإمارات. أما مسيرتها المهنية فتجسّد في رأيها الغاية التي تسعى مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 إلى تحقيقها، لذا فهي تأمل بأن يكون الإقبال على الفعالية كبيراً وواسعاً خصوصاً بين صفوف الشباب الإماراتي. وتنكبّ كاميلياً حالياً على رسم مخطط الحديقة التي ستُعتمد كالمنصة الأساسية خلال المسابقة في أكتوبر المقبل لاختبار مهارة المشاركين عن فئة تنسيق الحدائق.
وكاميليا هي ابنة رجل الأعمال زعل محمد زعل، نشأت منذ نعومة أظافرها على مراقبة والدها وجدّها يعملان في الحديقة.
وتستذكر قائلة، "لطالما كان أبي مولعاً بالزهور وأحبّ شعور السكينة الذي يغمره وسط المساحات الخضراء، وكان جدي يزرع الخضار ويهوى الاعتناء بالحديقة... كنا نحفظ أيضاً الزهور التي نلتقطها هنا وهناك خلال نزهاتنا. وقد زرعت تلك التجارب في نفسي حبّ الطبيعة الذي ما زال يرافقني حتى اليوم.”
لذا، قد يستغرب من يتعرّف إليها أنها بدأت حياتها المهنية بعيداً كل البعد عن عالم الخضرة والزهور. "عملت موظفة حكومية لمدة أربع سنوات... استمتعت بعملي وأحببت وظيفتي إلا أنني كنت أشعر دوماً بأن ثمة ما ينقصني." وتتابع، "شعرت بأنني لا أنمّي الجانب الإبداعي من شخصيتي كما يجب مع أنني كنت قد درست الفنون في مرحلة سابقة."
"كان والدي في تلك الأثناء يعمل على إعداد فكرة مشروع "البراري" - وهو مشروع عقاري يضمّ حضانة للشتول ومساحات شاسعة من الحدائق الغنّاء - وهذا ما لفت انتباهي إلى تصميم الحدائق ودفعني في ذلك الاتجاه."
وهكذا قررت كاميليا التخصص في تصميم الحدائق، فالتحقت بكليّة "إنشبالد" العريقة للتصميم في لندن، لتعود بعد إتمام دراستها إلى مدينتها الأم دبي، عازمة على تحقيق النجاح والشهرة كمصممة حدائق تعمل لحسابها الخاص.
وتشرح، "كنت في تلك المرحلة قد تمرّست لمدة عامين في العمل لحسابي الخاص على مشاريع متكاملة، أي أنني أتولى إدارة العملية برمّتها من مرحلة التصميم وصولاً إلى البناء وغرس الشتول." وتضيف "أرى أن الخبرة العملية ضرورة أساسية لإتقان أي مهنة بغضّ النظر عن المجال الذي تصبّ فيه."
ففي مجال تصميم الحدائق، ينبغي على المصمم أن يكون على دراية بالجوانب الهندسية التي تدخل في بناء الحديقة، فهي المرحلة الأساس التي تتبعها مرحلة التصميم واختيار النباتات والشتول المناسبة.
"الدراية الهندسية والمعمارية تساعد المصمم على ابتكار تصاميم دقيقة وصحيحة، وبالتالي تساعده على ابتكار الحديقة الأمثل لكل عميل. كانت تلك التجربة بالنسبة إليّ قيمة جداً لاسيما أنني أعمل لحسابي الخاص."
نجحت شركة "سيكند نيتشر" التي أسّستها كاميليا في العمل على بعض من المشاريع الكبرى بما فيها مشروع الحدائق لشركة زايا العقارية في منتجع زايا نوراي في أبوظبي، وأيضاً مشروع قناة القصباء في الشارقة. وتتابع "وإنما لا يزال مشروع البراري أضخم مشاريعنا حتى الساعة من حيث نطاقه وضخامته."
ومشروع "البراري" كناية عن مشروع سكني ضخم بكلفة 15 مليار درهم إماراتي أنشأته عائلتها، يضمّ 189 فيلا مترفة، و34 حديقة تتميز كل منها بتصميمها الخاص بالإضافة إلى أكثر من أربعة ملايين شتلة ونبتة، كل ذلك من تصميم كاميليا نفسها وشركتها "سيكند نيتشر". "نظراً إلى ضخامة المشروع، كان علينا زيادة حجم القوة العاملة لدينا خمسة أضعاف، من سبعة أشخاص إلى 35 شخصاً... كان المشروع بمثابة مدرسة بالنسبة إلي، فقد تمحور عملي بالدرجة الأولى حول إدارة فريق العمل وتوجيه مسار العمل أكثر منه الجانب الابتكاري. لحسن الحظ أنني أحمل شهادة في إدارة الأعمال فقد كانت لي خير معين في ذلك المشروع بالذات."
"وتجدر الإشارة إلى أن "البراري" هو المشروع الوحيد في الإمارات الذي يتكوّن بنسبة 80 في المئة من المساحات الخضراء المفتوحة وتحتلّ فيه المساحة المبنية نسبة 20 في المئة فقط. ويتخلل المساحة 16 كيلومتراً من المجاري المائية، ما يضفي عليه طابعاً فريداً، فهو أشبه بملاذ طبيعيّ بعيد عن ضوضاء المدينة وصخبها. المشروع فريد من نوعه بكل ما في الكلمة من معنى، فلا نظير له في الدولة، ولا يسعني إلا أن أشعر ببالغ الفخر والاعتزاز للدور الأساسي الذي أدّته شركتي في تطويره."
وتعزو المصممة المبدعة نجاح شركتها "سيكند نيتشر" إلى قدرة طاقم العمل على استيعاب تصوّر العميل لما يريد وتحقيقه على أرض الواقع. وفي هذا الموضوع تضيف، "إنه لغاية في الصعوبة أن يتمكن المصمم من التفاعل مع أي مشروع، صغيراً كان أم كبيراً، ما لم يتوصل إلى قراءة رؤية العميل وتفسيره... والمساحات الخضراء أو الحدائق ما هي إلا امتداد لهندسة الموقع، وبالتالي، فإن عليها أن تتواصل معه وأن تنطق بلغته. لذا أسعى دائماً لتفهّم الأسلوب الذي يتميّز به كلّ من عملائي لكي أترجمه من خلال تصميم الحديقة."
"بالإجمال، أستمدّ الوحي من كل ما يحيط بي - من الأثاث، والهندسة المعمارية، أو من تحفة فنية أو من حديقة أخرى شاهدتها في مكان ما، أو حتى من نقش لافت أو مادّة مختلفة. يتعيّن على المصمم الناجح أن يواكب كل توجه جديد وكل ابتكار خلّاق في مجاله، وبالتالي فإن من الأهمية بمكان أن يكون قادراً على سبر غور الصرعات والاتجاهات الجديدة سواء في مجال تصميم الحدائق أو في أي مجال ابتكاري وإبداعي يستهويه.
وتؤكّد قائلة إن مهنتها حقاً "مشبعة للروح"، فهي تخلق مساحات جميلة ومبهجة وتسمح لها بإطلاق العنان لطاقاتها الإبداعية - "إن التفاعل المباشر من الطبيعة يدخل في نسيجنا الطبيعي كبشر... وبناء أي حديقة هو مجموعة من المهام المتشابكة، من حلّ المشكلات، والتواصل والتفاوض مع المقاولين، إلى فهم طبيعة البناء والتعامل مع توقعات العميل، والقدرة على مواصلة العمل على الرغم من أي عقبات تعترض طريقنا."
"ليس العمل بالسهل بتاتاً، ولكنه لا يخلو من اللذة. ومتى وجد المرء لذة في عمله، زاده ذلك تصميماً وعزماً، وبالتالي، نجاحاً."
تحثّ كاميليا جيل الشباب الذي يفكّر في الانتساب إلى مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 أن يتحلّى بالعزيمة الصلبة قبل أي شيء، فهي سلاحه الأمضى في كل زمان وفي كل مكان.
وتقول، "عاقد العزم على النجاح عليه ألا يشيح ببصره عن الهدف الذي وضعه نصب عينيه، وأن يطرق كل باب بحثاً عن الفرصة المناسبة... لم تراودني فكرة المشاركة في معرض تشيلسي للزهور ولو حتى في الحلم، ولكن عندما أتتني الفرصة لم أتردد للحظة. سألت نفسي: ما أسوأ ما قد يحصل؟ يمكن ألا يروقهم تصميمي، ومع ذلك، لن يثنيني ذلك عن المضيّ قدماً. وتبيّن لاحقاً أن تلك التجربة كانت من التجارب المفصلية في حياتي."
"من لا يجد السعادة في عمله، لن يجدها في أي مكان آخر في حياته. في حين أن العمل الدؤوب والمثابرة على الدرب التي يختارها المرء لنفسه طواعية هو السبيل الأكيد نحو السعادة."