5. الغدير للحرف الإماراتية
تستعد حقائب اليد من ماركة "تلّي" لدخول مضمار الأزياء لتصبح الصيحة الجديدة في عالم الموضة في أبوظبي ودبي، حيث من المتوقّع أن يتزايد الطلب عليها بسرعة بما يبشّر بنجاح كبير، لاسيما إن وقع عليها اختيار سيدات كبار الشخصيات ومشاهير العرب.
تُصنع كل حقيبة من حقائب "تلّي" بإتقان ودقة وتحظى كل مرحلة من مراحل تصنيعها بدرجة عالية من العناية والمهارة. فتطرّزها الأيدي الإماراتية المتمرّسة بخيوط فضيّة وذهبية اللون تمتزج مع جلد الهجن الناعم لتشكّل لوحات فريدة ومميّزة تلفت أنظار أصحاب الذوق الرفيع.
وتحمل هذه الحقائب الجميلة إلى جانب أناقتها حكاية من نوع آخر، حكاية مهارة أيدٍ إماراتية مبدعة تساهم في تأمين سبل العيش الكريم للسيدات الحرفيات المجتهدات ضمن طاقم العمل.
انطلقت فكرة حقائب اليد المتقنة هذه من مبادرة الغدير للحرف الإماراتية، المبادرة التي أطلقتها هيئة الهلال الأحمر بهدف تمكين النساء الإماراتيات من العمل عبر توظيف الفنون والحرف التقليدية المستوحاة من التراث الغني لدولة الإمارات. وقد نجحت هذه المبادرة في مساعدة النساء الحرفيات في تكوين مصدر للدخل من خلال توفير الدعم والتدريب واللوازم لهنّ، وفي الوقت عينه، ساهمت المبادرة منذ انطلاقتها في جهود الحفاظ على الحرف التقليدية التي تشكل جزءاً مهماً من التراث الفني في الدولة.
تتولى مريم خالد الكندي إدارة مبادرة الغدير التي ترى فيها مشروعاً يحافظ على الحرف التراثية التقليدية بطريقة عملية تتماشى مع متطلبات العصر، فالمشروع في جوهره يقوم على التجارة البسيطة.
وتشرح مريم: "الغاية الأساسية من المبادرة هي مساعدة النساء الحرفيات. نريد مساعدة هؤلاء النساء على تحقيق درجة من الازدهار وأن نقدّم لهنّ يد العون في مختلف جوانب حياتهن بما يؤمّن رفاهيتهنّ المالية والذهنية والجسدية. ونسعى لتمكينهنّ في مجالات إبداعية".
تمّ تصنيع 15 حقيبة فقط منذ بداية المشروع، وارتأى القيّمون عليه تقديم باكورة ثماره إلى راعيته وصاحبة الفضل الأول في تأسيسه سمو الشيخة شمسة بنت حمدان بن محمد آل نهيان حرم سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية ورئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وإلى كريماتها.
وإن كان المشروع يدلّ على شيء فهو على الدور المحوريّ الذي لعبته المهارات في حياة سكان أبوظبي منذ القدم، فالمهارات التي تبلورت من خلال مشروع حقائب اليد متجذرة في المجتمع الإماراتي منذ حقبة ما قبل اكتشاف النفط والغاز التي غيّرت وجه الدولة إلى اقتصاد عصري وحيوي. ومع استعداد الدولة لاستضافة مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017، أكبر مسابقة من نوعها في العالم، تتبوأ المهارات المهنية والحرفية مركزاً متقدماً وحيوياً على سلّم أولويات الحكومة متماشية مع استراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد لمرحلة ما بعد النفط.
تسعى مبادرة الغدير التي تأسست منذ 10 سنوات إلى تمكين نساء إماراتيات متعففات لتأمين عيشهنّ والارتقاء بحياتهن من خلال الفنون والحرف اليدوية الأصلية. فتستقبل المبادرة النساء الملتحقات بالمشروع وتقدّم لهنّ التدريب المطلوب على صناعة المنتجات الإماراتية التقليدية التي تشمل فناجين القهوة وقوارير العطر وسلال الشوكولاته والتمور، وتُستخدم فيها المواد المحلية والمواد المعاد تدويرها.
وتشرح مريم: "الغاية الأساسية من المبادرة هي مساعدة النساء الحرفيات. نريد مساعدة هؤلاء النساء على تحقيق درجة من الازدهار وأن نقدّم لهنّ يد العون في مختلف جوانب حياتهن بما يؤمّن رفاهيتهنّ المالية والذهنية والجسدية. ونسعى لتمكينهنّ في مجالات إبداعية".
"من واجبنا أن نضمن استمرارية الحرف الإماراتية التقليدية. وعند زيارة أيٍ من الأسواق التقليدية في الدولة ستجد فيها قطعاً من ثقافات مختلفة من الهند والعالم العربي وتركيا وغيرها، وقلّما تجد قطعاً من التراث الحرفي الإماراتي. نحن لا نعمل على مواصلة إحياء الثقافة والتقاليد الإماراتية فحسب، بل نسعى أيضاً لتحديثها وتطويرها بما يتماشى مع العصر".
كانت مريم قبل التحاقها بمبادرة الغدير تعمل بمنصب مديرة في ديوان ولي العهد في أبوظبي في مكتب التخطيط والشؤون الاستراتيجية. أما عندما سألناها عن السبب الذي حدا بها لتغيير مهنتها قالت: "تستهويني الحرف اليدوية الإماراتية منذ الصغر، لطالما كنت شغوفة بها، لذا يسعني القول إنني أعشق عملي".
وعنصر الإبداع هو من العناصر الأساسية لسير العمل في مشروع الغدير للحرف، حسب قولها "تصنع السيدات الحرفيات الحقائب اليدوية في المنزل. ويستغرق صنع الحقيبة الواحدة شهراً كاملاً ويتطلب عمل سيدتين حرفيتين في الوقت عينه حيث تهتمّ الأولى بحياكة النسيج فيما تصنع الأخرى شكل الحقيبة، وهذا الأسلوب في العمل هو تحديداً ما يضفي على الحقائب الفرادة والتميّز".
"كل حقيبة منها متفرّدة بتصميمها وشكلها، ويستغرق صنعها مدة لا يستهان بها من الوقت وهذا ما يجعلها استثنائية. فلا يمكن شراؤها في أي مكان آخر لذا، فإن اقتناء حقيبة منها سيكون امتيازاً بحد ذاته".
وفكرة حقائب اليد هذه مستوحاة في الأساس من درجة المهارة والحرفية العالية التي أظهرتها النساء العاملات في صنع منتجات أخرى. "أعجبنا إلى حد كبير بعمل السيدات الحرفيات وهذا ما جعلنا نفكّر في إنتاج مجموعة من المنتجات الراقية. وتتابع مريم "كنا في السابق نركّز على صنع الهدايا التذكارية مثل الحليّ، وإنما أردنا أن نصنع قطعاً للمرأة التي تقدّر الصناعات الراقية والمميزة".
"اقتناء تلك الحقائب لا يختلف كثيراً عن اقتناء القطع الفنية، فلكل منها هويتها ولمستها الخاصة، ويمكن الاحتفاظ بها لوقت طويل... إنها قطع مصنوعة بأيدي إماراتية ماهرة ومعتمدة على الحرف الوطنية التقليدية. كل ما يدخل في صنع الحقيبة يحمل طابع دولة الإمارات. أما العنصر الأهمّ الذي يدخل في إنتاج هذه الحقائب فهو المحبة الخالصة".
وهذا بالفعل ما يستنتجه المرء عند التحدث إلى السيدات الحرفيات اللواتي يعملن على صناعة هذه القطع الجميلة ومن بينهنّ السيدة سوسن حمدان التي أعربت عن شغفها الكبير بعملها وحرفتها.
فتقول: "أستمدّ الوحي من طريقة حياكة السجاد والنسيج، وطبّقت التقنية عينها على خيوط التلّي المنسوجة يدوياً". تأمل مريم أن تلقى هذه الحقائب اليدوية رواجاً في أوساط النساء وأن تصبح موضة بحد ذاتها. ويتمّ العمل حالياً على تجهيز متجر صغير في مركز غاليريا الفاخر في أبوظبي لبيع الحقائب اليدوية، أما الهدف المستقبلي فهو بيع الحقائب من خلال محلات الأزياء الراقية. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع الحقائب ليس سوى الخطوة الأولى على درب النجاح الطويلة التي تسير عليها مبادرة الغدير. وتضيف: "مشاريعنا للمستقبل كبيرة جداً".
نجحت مريم من خلال هذا المشروع في مزاولة العمل الذي تحبّ، لذا فإنها تشجّع الشباب الطموحين إلى المشاركة في مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 أن لا يُفوتوا هذه الفرصة الذهبية المتاحة لهم وأن يسعوا لتحقيق أحلامهم.
"أنا أشجع السعي لتحقيق الأحلام الذاتية واتّباع الميول الشخصية"، "فالمرء إن فعل ما يحبّ حقاً سيحقق النجاح الأكيد حيثما حلّ".