1. محمد الشامسي
من تسنّى له متابعة مسابقة المهارات العالمية في مدينة شيزوكا اليابانية في سنة 2007 قد يتذكّر المتسابق الإماراتي محمد الشامسي يغالب الرهبة التي تملّكته إذ كان يستعدّ لعرض موهبته الوليدة آنذاك في مجال الروبوتات المتحرّكة. لم يكن يدري آنذاك أن ما ينتظره في اللحظات التالية سيقلب حياته ويغيّر مساره.
ففور عودته إلى أرض الوطن، انكبّ الشاب الطموح على العمل ليحوّل حلمه إلى حقيقة فأنشأ نادي روبوت الإمارات الذي يوفّر الدعم المادي والمعنوي للشباب المهتمّ بهذا الحقل، لينتقل بعدئذٍ إلى إنشاء شركته الخاصة روبوهايتك.
وما لبثت الجوائز التكريمية والانتصارات أن بدأت تنهال عليه، ففاز بالميدالية الذهبية في المنتدى العلمي الحادي عشر لدول مجلس التعاون في دبي في سنة 2009، ومن ثمّ تبوّأ المركز الأول في مسابقة روديو الأنظمة الآلية في أبوظبي في سنة 2011، وتمّ تصنيفه مؤخراً من بين أهمّ 100 مخترع عربيّ في إطار مسابقة نجوم العلوم.
ويحدّثنا محمد عن شغفه بعلم الروبوتات الذي بدأ معه منذ كان طفلاً فيقول: "ما كنت لتراني بدون روبوت بحوزتي"، ولازمه هذا الشغف حتى سنوات المراهقة فالنضوج لاسيما عندما بدأ ببناء الروبوتات التعليمية في إطار المسابقات.
وأيضاً في إطار تنمية هوايته، التحق محمد بكلية دبي للطلاب لدراسة علم الميكانيكا أو الميكاترونيكس حيث تميّز بموهبته ومهارته عن سائر أترابه. وهكذا، عندما أرسلت مؤسسة مهارات الإمارات، وهي الجهة الممثلة للدولة في منظمة المهارات العالمية، طلباً إلى الكلية لترشيح أحد طلابها للمشاركة من خلال منتخب الدولة في مسابقة المهارات العالمية في ذلك العام، طُرح اسم محمد كالمرشح الأبرز في فئته.
فيقول الشاب المميز ابن الثلاثين ربيعاً مستذكراً: "كنت شديد الحماس". فزيارة اليابان حلم رافق محمد منذ فترة طويلة، وكم كانت سعادته عارمة عندما اكتشف أنه سيحظى بفرصة لزيارتها خلال شهر. ويقول: "تمّ تبليغي بخبر ترشيحي للمشاركة قبل فترة وجيزة من المسابقة ولم يتسنّ لي وقت كافٍ للاستعداد."
لم تكن الآمال المعقودة على فوز المنتخب الإماراتي في المسابقة جسيمة، حتى في أوساط الخبراء الذين رافقوا الفريق لدرايتهم بافتقار المرشحين إلى الوقت المطلوب للتحضير والاستعداد. لذا فقد كان محمد غاية في الفخر بالإنجاز الذي حققه عندما حلّ في المركز التاسع خلال المسابقة. فيذكر قائلاً: "كان الفريق الإماراتي من بين أفضل الفرق المشاركة، وذلك باعتراف جميع الخبراء، ذلك أننا بذلنا جهداً لا بأس به على الرغم من قلّة استعدادنا بسبب ضيق الوقت."
ويعزو محمد الفضل إلى مؤسسة مهارات الإمارات التي دأبت منذ تاسيسها في سنة 2006 على تحفيز الشباب الإماراتي على اكتساب مهارات جديدة وشقّ طريقه في الصناعات التقنية والمهنية، حيث أنها كانت أول من فتح له الباب لترك بصمته في عالم الروبوتات المتحركة.
"لا شك في أن مؤسسة مهارات الإمارات قد كانت صاحبة الفضل الأكبر في وصولي إلى ما أنا عليه اليوم. ليس من السهل أن يجد المرء مهارة تستهويه، وهنا كان الدور الأساسي للمؤسسة حيث أرشدتني إلى سبيل الروبوتات المتحركة وسلّطت الضوء على أهميتها المتزايدة وعلى دورها في المستقبل، وبالفعل، عندما أرسلتني للمشاركة في مسابقة المهارات العالمية، رأيت بأم عيني أن ثمة حاجة متزايدة لهذا النوع من المهارات عالمياً وأدركت أنني أستطيع بناء مستقبل كريم لي في هذا المجال."
"ساعدتني المؤسسة على تركيز جهودي بشكل دقيق على تنمية مهارتي وقدراتي. وقدّمت لي كبير العون والدعم فهي التي وجهتني على هذه الدرب منذ البداية وأوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم."
""صحيح أنني كنت قد بدأت ببناء الروبوتات منذ صغري، إلا أن مؤسسة مهارات الإمارات هي التي وجّهت جهودي ومنحتني كل الدعم المطلوب وفتحت عيني على العلم والتقنية اللذين يلزمانني لكي أنجح في المجال."
"لست أبالع في القول إن مؤسسة مهارات الإمارات تقدّم أفضل البرامج على الإطلاق للشباب المبتدئ، وكل من يتخرّج فيها أو في منظمة المهارات العالمية سيجد له مكاناً بلا شكّ في مصاف قادة الغد."
ساهمت مشاركته في المسابقة العالمية في تعميق شغفه بعلم الروبوت، فعزم على تكثيف جهوده لتوسيع نطاق الاهتمام بها وتسليط الضوء على أهميتها في أوساط الشباب الإماراتي.
فيروي: "كنت سعيداً بحصولي على فرصة لتمثيل وطني، ومع أنني لم أفز بأي ميدالية فإن مشواري لا يتوقف عند هذا الحد وأن عليّ أن أحقق شيئاً في هذا المجال.
وهكذا، عندما رجعت من اليابان، أقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد احتفالاً تكريمياً لنا في أبوظبي وسنحت لي الفرصة لمقابلته. أعجز عن وصف المشاعر التي اختلجت في صدري في تلك اللحظة.
شكرني سموّه على تمثيل الدولة وأثنى على جهودي فأحسست بأن الأحلام التي راودتني طويلاً بدأت تتحقق. شعرت بأن مشاركتي في المسابقة قد غيّرت مسار حياتي، وقد آن الأوان لي لكي أردّ الجميل إلى وطني."
انكبّ محمد على العمل الدؤوب، وما هي إلا ثلاثة أشهر حتى قدّم أول روبوت من اختراعه. فيشرح عنه قائلاً: "يمكن الاتصال به عبر الهاتف لرؤية ما يحدث في المنزل، حيث أستطيع التحكّم به من بُعد، فأحرّكه إلى الأمام والخلف عبر كتابة أوامر التحكّم بأزرار الهاتف." "وهو وسيلة تساعدك على التعرّف على ما يجري في منزلك، خصوصاً إذا كنت تجد صعوبة في التواصل مع أهل البيت."
فاز اختراعه المميز بالميدالية الذهبية في منتدى العلوم لدول مجلس التعاون، وتمّ تصنيفه على الإثر بين أهمّ المبدعين في العالم العربي. ولكن طموحه لم يتوقف عند ذلك الحد. "رحت أبحث عن غيري من الإماراتيين المهتمّين بمجال الروبوتات المتحركة ولكنني لم أجد إلا قلة قليلة من الأشخاص الذين يمتلكون المهارة المطلوبة والخبرة الكافية."
"وهكذا واتتني الفكرة لتأسيس منتدى يجمع هواة الروبوت من خلال نادٍ متخصص في بناء الروبوتات يتيح الفرصة للمشاركين لتبادل المعارف والخبرات."
وأثمرت جهوده مع إنشاء نادي روبوت الإمارات الذي ما لبث خلال العام الأول من انطلاق أعماله أن أنتج اختراعه الأول وهو كناية عن روبوت يُستخدم في العمليات الشرطية لانتشال المواد الخطرة مثل المواد الكيميائية والمتفجرات.
ولم يكتفِ محمد بهذا الحد، فعزم على مواصلة جهوده لنشر التوعية حول علم الروبوت من خلال الزيارات المدرسية وورش العمل التي تضعه في تواصل مباشر مع الشباب الإماراتي الصاعد. ويؤكّد: "علم الروبوتات هو المستقبل". "لذا، فإنه من الأهمية بمكان أن نوفّر الدعم المطلوب للمواهب الشابة الصاعدة في هذا المجال."
وهكذا بدأت الطلبات تتوالى عليه من أفراد يبحثون عن قطع تصنيع الروبوتات، ومن شركات تريد تكليفه بتصميم وبناء روبوتات متخصصة في أعمال محددة. اغتنم محمد تلك الفرصة فبادر إلى سد الثغرة في السوق بتأسيس شركة تصنيع الروبوتات المتحركة الخاصة به وأسماها "روبوهايتك"
وتوالت عليه الطلبات ومن بينها مشروع لتصنيع طائرة بلا طيار تُستخدم في نقل وتسليم المواد الطبية. كما وتختصّ شركة روبوهايتك في توريد قطع الغيار التي تدخل في تصنيع الروبوتات وفي توزيع عدّة الروبوتات المتحركة المخصصة لطلاب المدارس في إطار مساعيها لتشجيع الطلاب وحثّهم على صقل مهاراتهم ورفعها إلى مستوى تنافسي يمكّنهم من المشاركة في المسابقات الوطنية، على غرار مؤسس الشركة.
استحقّ محمد التكريم على مجمل أعماله من صاحب السمو أمير دولة الكويت في سنة 2014، اعترافاً بمساهمته الفاعلة التي تغني مجتمع دول مجلس التعاون. ونال في السنة عينها ميدالية أخرى من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، ضمن جوائز "أوائل الإمارات".
ويقول محمد مفتخراً: "قال لي سموّه إن علم الروبوتات هو المستقبل، وإن وطني فخور بما حققتُ."
ومحمد يدرك أن لولا مشاركته في مسابقة المهارات العالمية لما تسنّت له الفرصة لتحقيق أحلامه.
أما حلمه اليوم فهو مساعدة أحد مواطنيه على الوصول إلى المراكز الأولى عن فئة الروبوتات المتحركة في الدورة المقبلة لمسابقة المهارات العالمية خصوصاً أنها تُقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في أبوظبي.
ها هو رائد الأعمال الشاب الذي بدأ مشواره بمشاركة خجولة في مسابقة المهارات العالمية قبل عشر سنوات وقد أصبح اليوم خبيراً مرموقاً وواثق الخطوة في مجاله، وأمله أن ينجح في إقناع من حوله بأهمية المشاركة في المسابقة لما تخبئه لهم من نجاحات مستقبلية.
"يمكنهم أن يغيّروا مسار حياتهم أيضاً من خلال المشاركة في المسابقة" "إن دولتنا قد قدّمت لنا الكثير الكثير، وقد حان دورنا الآن لنردّ لها بعضاً من الجميل عبر اكتساب مهارات جديدة وعبر تنمية مواهبنا بما يمكننا من النهوض لنكون على قدر الآمال المعقودة علينا.
أنا أرى أن مسابقة المهارات العالمية هي أفضل المسابقات في الساحة الدولية، ومن يشارك فيه يضمن مكانته الريادية في مجاله في المستقبل. إن كل من يشارك في مسابقة المهارات العالمية يخرج منها متسلحاً بالقدرة على إحداث تغيير فعلي وبنّاء في مجتمعه وبيئته فيساهم مساهمة قيّمة في ضمان مستقبل واعد ومشرق لوطنه".