6. سالم القاسمي
"أن تكون مصمماً جرافيكياً يعني ببساطة أن تكون قادراً على تجسيد الفكرة المجرّدة بما يسمح بإيصال الرسائل المطلوب إيصالها بدون لبس أو تعقيد"... هذا هو تعريف التصميم الجرافيكي من وجهة نظر سالم القاسمي، صاحب استوديو التصميم الذي يحمل اسم "فكرة".
واستطرد قائلاً "نوع التقنية المستخدمة في التصميم مسألة ثانوية، فالتقنيات في تطوّر مستمرّ وتتغيّر مع الوقت، وهي لا تعدو كونها أداة عمل فحسب".
بدأ قاسم مشواره على درب الإبداع والابتكارانطلاقاً من فكرة قبل أن يبدأ مرحلة الدراسة الثانوية، فصمم يدوياً مجلةً تُقرأ بنظارات البُعد الثالث ذات العدستين الحمراء والزرقاء.
وما لبث بعد عام واحد أن دخل مجال تصميم المواقع الإلكترونية، واستمرّت رحلة الارتقاء والتطور الذاتي حتى صار اليوم رئيساً لاستوديو "فكرة" متعدد المجالات في الشارقة، والذي أسسه في سنة 2006 ليجمع بين القيم والثقافات والتصاميم الإسلامية الأصيلة. ويرى قاسم أن جوهر عمل التصميم ثابت ولا يتغير بتغيّر التقنيات وتطورّها، فالتصميم يرتكز بالدرجة الأولى على قوة الرسالة وأهمية إيصالها بوضوح وسهولة.
ويخبرنا سالم عن تجربته الأولى قائلاً: "اشتملَت المجلّة الأولى التي صممتها على عدة عناصر تعبّر عن أفكاري والأمور التي كانت تستهويني بصفة خاصة، وتعبّر عما كان يحدث في العالم في تلك المرحلة". وإلى جانب عمل سالم القاسمي في رئاسة "فكرة"، فإنه يشغل أيضاً منصب أستاذ مساعد لمادة التصميم في الجامعة الأميركية في الشارقة.
"كانت تلك تجربة لا تقدّر بثمن. فأنا اعتبر التصميم الجرافيكي وسيلة لتسهيل التواصل، أو لإيصال فكرة ما. إنه مجال شيّق بحقّ لما فيه من تجدد مستمر، فهو يعبّر عن عصره بكل مراحله. وأنا في الحقيقة لم أكن أدرك ذلك في بداية مشواري العملي، وإنما كنت عازماً على دراسة التصميم لما ينطوي عليه هذا الفنّ من مرونة وقدرة على التكيّف والتواصل".
ما لبث سالم أن أنهى مرحلة الدراسة الجامعية في الجامعة الأميركية في الشارقة وكلية رود آيلاند للتصميم حتى أسس استوديو "فكرة" مدفوعاً برغبته في "أن يتمكن من العمل في استوديو للتصميم التجريبي الحقيقي، بعيداً عن أساليب العمل التقليدية".
لم تكن ريادة الأعمال حلم سالم منذ البداية، "لم أفكّر في المسألة بشكب جدي. كنت فقط أسعى للعمل في مكان يتيح لي مجالاً للتجربة والبحث والإبداع، وبما أنني لم أجد ذلك المكان، عمدت إلى تأسيس استوديو "فكرة" لأجد فيه ضالّتي".
عملت في مدينة لندن لفترة من الوقت قبل أن أعود إلى الإمارات العربية المتحدة. كانت تجربتي في تلك الشركة اللندنية مصدر إلهام كبير لي، فقد تسنّت لي فرصة العمل مع طاقم مميّز. وأظنّ أنهم مصدر الإلهام الذي حدا بي لتأسيس الاستوديو".
مرّ عقد كامل من الزمن على تأسيس "فكرة"، الاستوديو الذي يعتبره سالم المحطة الأهم في حياته، والذي سمح له بالعمل في مجال التصميم العمليّ والتعليم الأكاديمي أيضاً. ومن هذا المنطلق، يتحدث سالم عن جانب من خبراته قائلاً "استطعت من خلال مجال تخصصي وعملي في الاستوديو أن أسلّط الضوء على أهمية المحتوى والتصميم العربي والصلات المشتركة بينهما".
"لدينا مجموعة متنوعة من العملاء تتراوح من الشركات الناشئة إلى الشركات العالمية الكبرى، نذكر منها مركز الشارقة لريادة الأعمال "شراع" ومعرض دبي للفنون بالإضافة إلى عدد كبير من المطاعم الشهيرة. وبصفتي مدرّساً، ينصبّ محور اهتمامي على تدريس التصميم الجرافيكي بالعربية والإنجليزية، وتوعية الطلاب إلى مختلف جوانب التصميم والطباعة العربية والتأكيد على أهميتها لاسيما في هذه البقعة من العالم التي تُعتمد فيها اللغتان في مختلف المطبوعات والمنشورات".
فاز استوديو "فكرة" بالعديد من الجوائز وآخرها جائزة الشارقة للمشاريع الناشئة، ونال سالم شخصياً التكريم بصفته رائد أعمال ومرشداً في برنامج الزمالة للتميز الثقافي برعاية المجلس الثقافي البريطاني ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، وفاز بالجائزة الثقافية الدولية عن فئة رائد الأعمال المبدع الشاب من المجلس الثقافي البريطاني، وحصد العديد من الجوائز في مجال التصميم من المجلة الدولية للاتصالات المرئية "جرافيكس"، وأُدرج اسمه ضمن قائمة فوربس للقادة المُلهمين في الإمارات العربية المتحدة في سنة 2015.
يعزو سالم التقدم الذي أحرزه في حياته العملية لأسرته؛ فيقول "زوجتي هي أيضاً شريكة في هذا النجاح، ولها دور كبير في وصول استوديو "فكرة" إلى شكله الحالي"، كما وينسب نجاحه أيضاً إلى أعضاء فريق العمل في الاستوديو الذين "يدين لهم بخالص الشكر والتقدير". يتحلّى الشاب الإماراتي المبدع سالم بثقة كبيرة في إحراز مزيد من النجاح والتقدم مستقبلاً ولو أنه لم يخبرنا عن طبيعة المشاريع التي يستعدّ للعمل عليها، ويقول مبتسماً "أعكف حالياً على إعداد بعض المشاريع التي ستسمعون عنها قريباً".
يأمل سالم في أن تدرك شريحة أوسع من الشباب الإماراتي القيمة الكبيرة والمتعة التي يمكن الحصول عليهما في الخروج عما هو "تقليدي"، وشائع الاتباع من المسارات المهنية وإدراك أن ما يحبونه يمكن أن يتوافق مع ما يفعلونه أيضاً.
"قد تكون المجالات التقليدية مثل مزاولة الأعمال التجارية والمصرفية مفيدةً، ولكن مناهجها محدودة ومقيدة للغاية. بينما يتميز التصميم الجرافيكي، أو أي منهجية أخرى في التصميم من هذا المنطلق، بتعدد مجالاته. فقلّما ينحصر عمل المصمم في العمل التصميمي فحسب، إذ عليهم التعامل مع أفراد وشركات من خلفيات وتوجهات متعددة، بدايةً من "الأعمال المصرفية ووصولاً إلى الرعاية الصحية والهندسة.
"وهذا هو السبب وراء كون هذا المسار المهني شيقاً من حيث إنه يتيح العديد من الاحتمالات والإمكانيات، كما أنه مسار أشجّع الشباب الإماراتي على اتخاذه؛ نظراً لأنه أسلوب تفكير عظيم الفائدة اليوم وغداً".